ولا تحسبن الله غافلا

المجرمون مقرّنون: أي أنَّ أيديهم وأرجلَهم قُرنتْ إلى رقابهم بالقيود والأغلال. ملابسُهم من القطران لأنه يُبالغ في اشتعال النار في الجلود، والنار تعلو وجوهَهم، وتلفُّها، وتحرقُها إحراقاً شديداً لا عهد لأهل الدنيا بشدته. هل يقرأ هذه الآيات وأمثالها ذو عقل ويجرؤ بعد ذلك على الظلم؟! اللهم إنا نعوذ بك من أن نَظْلِمَ أو نُظْلَم. ولا تحسبن الله غافلا عن ما يعمل الظالمون. وفي الحديث الشريف أحاديث كثيرة تحذّر من الوقوع في الظلم، وتبيّن بشاعة عقوبته، وفي صحيح الإمام البخاري رحمه الله كتابٌ عنوانه: كتاب المظالم، أختار منه، ومن شرحه، فتح الباري للإمام ابن حجر العسقلاني - رحمه الله - بعض الأحاديث. قال الشارح: المظالم، جمع مَظْلَمة، واسمٌ لما أُخذ بغير حقّ، والظُّلم وضع الشيء في غير موضعه الشرعي. عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا خَلَصَ المؤمنونَ من النار حُبسوا بقنطرةٍ بين الجنة والنار، فيتقاصّون مظالم كانت بينهم في الدنيا، حتى إذا نُقّوا وهُذِّبوا أُذن لهم بدخول الجنة... يعني: خلصوا من الآثام بمقاصصة بعضها ببعض. وفي حديث جابر - رضي الله عنه -: "لا يحلّ لأحد من أهل الجنة أن يدخل الجنة ولأحدٍ قبَلَهُ مظلمة"، أي: وفي عنقه حق لأحد.

  1. ولا تحسبن الله غافلا ياسر الدوسري
  2. ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون كامله

ولا تحسبن الله غافلا ياسر الدوسري

كنتُ بالأمس أقرأ قوله تعالى في سورة إبراهيم عليه وعلى نبيّنا أفضل الصلاة والسلام:﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ * مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ ﴾ [إبراهيم: 43 - 42]. فهالتني الآية وأرعبتني، وقلت في نفسي: سبحان الله ألا يوجد عند هؤلاء الظالمين ذرة من علمٍ أو عقل أو حكمة ليعرفوا ماذا ينتظرهم؟. يخاطب الله نبيَّه محمداً عليه الصلاة والسّلام، ويُعْلمُهُ أنّ هؤلاء الظالمين لهم عقابٌ يومَ القيامة، ﴿ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ ﴾ ، أي: لا تقرُّ في أماكنها من هَوْل ما ترى، وأجفانُهم ثابتة لا تطرُف. ﴿ مُهْطِعِينَ ﴾: مُسْرِعينَ إلى الداعي، أو مُسْرعين مدفوعين إلى النار. ﴿ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ ﴾: رافعي رؤوسهم، مُلْتصقة بأعناقهم، وقيل: ناكسي رؤوسهم. ولا تحسبن الله غافلا ياسر الدوسري. ﴿ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ ﴾: لا ترجع إليهم أبصارهم من شدّة النظر، فلا ينظرون إلى أنفسهم، لكثرة ما هم فيه من الهول، والمخافة لمِا يحلُّ بهم، ﴿ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ ﴾: قلوبُهم خاوية خالية ليس فيها شيء لكثرة الوجل.

ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون كامله

أو إنّ أمكنة أفئدتهم خاليةٌ لأنّ القلوب لدى الحناجر، قد خرجت من أماكنها من شدة الخوف. وقيل: قلوبهم قد تمزّقت من الخوف لا تعي شيئاً. قال سيد: "والرسول - صلى الله عليه وسلم - لا يحسب الله غافلاً عما يعمل الظالمون، ولكنّ ظاهر الأمر يبدو هكذا لبعض من يرون الظالمين يتمتّعون، ويسمع بوعيد الله، ثم لا يراه واقعاً بهم في هذه الحياة الدنيا، فهذه الصيغة تكشف عن الأجل المضروب لأخذهم الأخذة الأخيرة التي لا إمهال بعدها، ولا فكاك منها. أخذهم في اليوم العصيب الذي تشخص فيه الأبصار من الفزع والهلع، فتظلُّ مفتوحةً، مبهوتة، مذهولة، مأخوذة بالهول لا تطرف ولا تتحرك. ثم يرسم مشهداً للقوم في زحمة الهول: مشهدهم مسرعين لا يلوون على شيء، ولا يلتفتون إلى شي. رافعين رؤوسهم لا عن إرادة، ولكنها مشدودة لا يملكون لها حراكاً. ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الضالمون القارء ماهر المعقيلي جمعة مباركة 🤲💞 - YouTube. يمتدّ بصرهم إلى ما يشاهدون من الرعب، فلا يطرف ولا يرتدُّ إليهم. وقلوبهم من الفزع خاويةٌ خالية، لا تضمّ شيئاً يعونه أو يحفظونه أو يتذكرونه، فهي هواء خواء. ويأتي بعد ذلك بآيات، قولُه تعالى: ﴿ فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ ﴾ [إبراهيم: 47]. ومزيدٌ من وصف حال الظالمين المجرمين: ﴿ وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ * سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ * لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ﴾ [إبراهيم: 49 - 51].

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: إقرا ايضا في هذا السياق: