البر وحسن الخلق الذميم

مِن حُسْن الخُلق: كفُّ الأذى عنِ الناس، فإذا لَم يصِلْ خير الواحد منَّا إلى المسلمين، فلا أقلَّ مِن أن يكفَّ شرَّه وشرَّ مَن تحت يده عنهم، وهذا من الخُلق المتعيِّن علينا جميعًا؛ فقد قال النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - لأبي ذرٍّ: « تكف شَرَّك عن الناس، فإنها صدقةٌ منك على نفسِك »؛ (رواه البخاري (2518)، ومسلم (84). معاشرَ الإخوة: لنُحسِّن أخلاقنا مع الضُّعفاء، مع مَن لا نرجو منهم منفعةً، مع مَن لا نتحرَّج منهم، فلنُحسِّن أخلاقنا مع الصِّغار: نبْدَؤُهم بالسلام، نُسمِّيهم بأحبِّ الأسماء إليهم، نكنيهم بأسماء أبائهم، نُمازِحهم أحيانًا، نُدخِل السرور عليهم، سواء كانوا أبناءً لنا أو طلاَّبًا، أو لا تربطنا بهم إلا رابطةُ الدِّين، كأبناء الجيران. البر وحسن الخلق ينظرون. لنتجنَّبْ كثرة مُعاتبة الصِّبيان وتوْبيخهم، فضررُهما أكبرُ مِن نفْعهما؛ فهذا هو خُلُق النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - مع الأطفال، فعَن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: "خَدمتُ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - عشْرَ سنين، واللهِ ما قال لي: أُفٍّ قطّ، ولا قال لي لشيءٍ: لِمَ فعلتَ كذا؟ وهلاَّ فعلتَ كذا"؛ (رواه البخاري (6038)، ومسلم (2309). إخوتي: إذا أُمِرْنا أن نُحَسِّن أخلاقنا مع سائرِ المسلمين، فتحسين الخُلُق مع أزواجنا مأمورٌ به مِن باب أوْلى، وإنك لتعجبُ مِن شخص حَسَن الخُلُق مع الناس، يبذل الخير لهم، يصبر على أخطائهم، يَقْبل اعتذارَهم في تعامُلهم معَ الناس، المَسُّ مسُّ أرْنب، والرِّيح رِيح زَرْنب، لكنَّه إذا دخَل بيته تغيَّر؛ وجدتَه غضوبًا، يثور لأدْنى خطأ، كثير النقْد والتعنيف، يهجر أهله، بل ربَّما تمادَى به سوء خُلُقه فضرَبهم!

  1. البر وحسن الخلق والأمر
  2. البر وحسن الخلق للصف
  3. البر وحسن الخلق ينظرون

البر وحسن الخلق والأمر

([5]) الكافي 2: 100 ح 6 باب حسن الخلق ـ عنه البحار 71: 375 ح 6 باب 92. ([6]) الميث والموث الاذابة.

قيل لإبراهيم بن نصر الكرماني: "إنَّ الظالم فلانًا دخل مكَّة، فقتل وصنع، وكثر الدعاء عليه فلم يستجب للداعين؟ فقال: لأنَّ فيهم عشر خصال، فكيف يستجاب لهم؟ قالوا: وما هنَّ؟ قال: الأول: أقرُّوا بالله، وتركوا أمره، والثاني: قالوا: نحب الرسول، ولم يتبعوا سنته، والثالث: قرؤوا القرآن، ولم يعملوا به، والرابع: زعموا حب الجنة، وتركوا طريقها، والخامس: قالوا: نكره النار ، وزاحموا طريقها، والسادس: قالوا: إن إبليس عدونا، فوافقوه، والسابع: دفنوا موتاهم، فلم يعتبروا، والثامن: اشتغلوا بعيوب إخوانهم، ونسوا عيوبهم، والتاسع: جمعوا المال، ونسوا يوم الحساب ، والعاشر: نفضوا القبور، وبنوا القصور". أَحْسَنْتَ ظَنَّكَ بِالأَيَّامِ إِذْ حَسُنَتْ *** وَلَمْ تَخَفْ سُوءَ مَا يَأْتِي بِهِ القَدَرُ وَسَالَمَتْكَ اللَّيَالِي فَاغْتَرَرْتَ بِهَــا *** وَعِنْدَ صَفْوِ اللَّيَالِي يَحْدُثُ الكَدَرُ وإذا كان بسْط الوجه مِن صميم حُسن الخلق، فإنَّ بذْل المعروف، وكفَّ الأذى مِن أعْظم ركائِزِه، وبِغِيَابِهما كثُرتِ الخُصُومات، وتفاقمتِ المشادَّات.

البر وحسن الخلق للصف

ولا بالفاحشِ ولا بالبذيءِ». البر وحسن الخلق والأمر. إن التوجيه القرآني، والتطبيق النبوي لينضحان بما يمكن القول معه إن حسن التعامل مع الناس ليقع في سنام الإسلام؛ وإن القول الحسن، والتعامل الجيد، ولين الجانب، والترحم على الخلق ليقع في ما أبدى فيه الإسلام وأعاد، بل إن القرآن الكريم ربط بين الفظاظة والغلظة وتفرق الناس من حول النبي صلى الله عليه وسلم بقوله تعالى:» فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم». إذا كان ذلك غيضا من فيض نهر الأخلاق الإسلامي الخالد، والذي أمر بحسن التعامل مع الناس، برهم وفاجرهم، مسلمهم وغير مسلمهم، والرفق بهم، ووصلهم، ولين العريكة لهم، فأين أولئك الذين ما فتئوا يطعنون غيرهم ويلعنونهم ويفحشون لهم بالقول أو بالفعل، أو بهما معا؟ لو جاس أحدنا لبضع دقائق خلال منتديات التواصل الاجتماعي لهاله العجب، ولارتسمت على حاجبيه الدهشة والاستغراب من الإمعان في لوك أعراض الآخرين ورميهم بكل نقيصة، والإجلاب عليهم بالخيل والرجال لمجرد أنهم يختلفون معهم حول مسائل، غاية ما قد يقال فيها إنها من جنس تلك التي يسع الخلاف فيها والاختلاف حولها! والمصيبة أنك ترى أولئك الشتامين وقد تحرفوا لشتم وطعن واتهام من يختلفون معهم زعما منهم بأنهم ينافحون عند الدين؛ وهل المنافحة عن الدين تكون بما نهى عنه الدين؟ ولعل المصيبة والكسر يعظمان إذا علمنا أن تلك الشتائم واللعائن والتدافع بالبغضاء لا تأتي من أولئك الذين لم يؤتوا حظا من العلم، بل إن كثيرا ممن يغشاها أناس متعلمون، وبعضهم أساتذة جامعات!

ابن ماجه). وأنت أيها المؤمن، قد تأتي بجبال منَ المعاصي، وأكوام منَ الذنوب ، فيأتي حُسن معاملتك للناس في الدنيا ، وسلامة أخلاقك معهم، فيكون ذلك شافعًا لكَ لدخول الجنة؛ فعن أبي الدَّرْداء - رضي الله عنه - قال: سمعتُ النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: « ما من شيء يوضع في الميزان أثقل من حُسن الخلق » (ص. الترمذي).

البر وحسن الخلق ينظرون

وفي حديث النواس بن سمعان قال قال صلى الله عليه وسلم: «البر حسن الخلق»؛ بمعنى أن البر الذي هو جماع الخير إنما يجد كماله ومعناه الأسمى في حسن الخلق. وفي حديث أبي هريرة: (إِنَّكُمْ لَنْ تَسَعُوا النَّاسَ بِأَمْوَالِكُمْ؛ وَلَكِنْ يَسَعُهُمْ مِنْكُمْ بَسْطُ الْوَجْهِ، وَحُسْنُ الْخُلُقِ). البر وحسن الخلق للصف. ولقد تمثل صلى الله عليه وسلم الخلق القرآني الرائع، فلم يكن لعانا ولا شتاما؛ فلقد أخرج البخاري في صحيحه عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: «لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم سبابًا، ولا فحاشًا ولا لعانا؛ كان يقول لأحدنا عند المعتبة: ما له ترب جبينه»؛ ويعلق الحافظ ابن حجر في(الفتح) على قوله (ما له ترب جبينه) بقوله:» قال الخطابي: يحتمل أن يكون المعنى خر لوجهه فأصاب التراب جبينه، ويحتمل أن يكون دعاء له بالعبادة كأن يصلي فيترب جبينه». وعند أبي داوود أن جابر بن سليم الهُجَيْمي رضي الله عنه قال: قلتُ يا رسول الله اعْهَدْ لِي، قال: لَا تَسُبَّنَّ أَحَدا؛ قَالَ: فَمَا سَبَبْتُ بَعْدَهُ حُرًّا، وَلَا عَبْدًا، وَلَا بَعِيرًا، وَلَا شَاةً». ولذلك نفى صلى الله عليه وسلم الإيمان عن الطعان اللعان بقوله:»ليس المؤمنُ بالطَّعَّانِ ولا باللَّعَّانِ.

فسكَت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ثُمّ قال: ( المال مال اللّه، وأنا عبده). ثُمّ قال: ( ويُقاد منك يا أعرابي ما فعلت بي ؟! ) قال: لا. قال: ( لِمَ ؟)، قال: لأنّك لا تكافئ بالسيّئة السيّئة. فضحك النبيّ، ثُمّ أمَر أنْ يحمل له على بعير شعيراً، وعلى الآخر تمراً(1). شبكة أهل البيت للأخلاق الإسلامية - أخبار: حُسن الخُلق. وعن أمير المؤمنين عليه‌السلام قال: ( إنّ يهوديّاً كان له على رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله دنانير، فتقاضاه، فقال له: يا يهودي، ما عندي ما أعطيك. فقال: فإنّي لا أفارقك يا محمّد، حتى تقضيني. فقال: إذن أجلس معك، فجلس معه حتّى صلّى في ذلك الموضع الظهر والعصر والمغرب والعشاء الآخرة والغداة، وكان أصحاب رسول اللّه يتهدَّدونه (1) سفينة البحار - مادّة خلق -. ويتوعّدونه، فنظر رسول اللّه إليهم فقال: ما الذي تصنعون به ؟! فقالوا: يا رسول اللّه يهودي يحبسك! فقال: لم يبعثني ربِّي عزَّ وجل بأنْ أظلم معاهداً ولا غيره. فلمّا علا النهار قال اليهودي: أشهد أنْ لا إله إلا اللّه، وأشهد أنْ محمّداً عبدُه ورسوله، وشطر مالي في سبيل اللّه، أما واللّه ما فعلت بك الذي فعلت، إلاّ لأنظر إلى نعتك في التوراة، فانّي قرأت نعتك في التوراة: محمّد بن عبد اللّه، مولده بمكّة، ومهاجره بطيبة، وليس بفظٍّ ولا غليظ، ولا صخّاب، ولا متزيّن بالفحش، ولا قول الخنا، وأنا أشهد أنّ لا إله إلاّ اللّه، وأنّك رسول اللّه، وهذا مالي فاحكم فيه بما أنزل اللّه، وكان اليهودي كثير المال)(1).