قال أبو عبيد: هو الذي عند وبغى كالإنسان يعاند؛ فهذا العرق في كثرة ما يخرج منه بمنزلته. وقال شمر: العاند الذي لا يرقأ. وقال عمر يذكر سيرته: أضم العنود؛ قال الليث: العنود من الإبل الذي لا يخالطها إنما هو في ناحية أبدا؛ أراد من هم بالخلاف أو بمفارقة الجماعة عطفت به إليها. وقال مقاتل: العنيد المتكبر. وقال ابن كيسان: هو الشامخ بأنفه. وقيل: العنود والعنيد الذي يتكبر على الرسل ويذهب عن طريق الحق فلا يسلكها؛ تقول العرب: شر الإبل العنود الذي يخرج عن الطريق. وقيل: العنيد العاصي. وقال قتادة: العنيد الذي أبى أن يقول لا إله إلا الله. قلت: والجبار والعنيد في الآية بمعنى واحد، وإن كان اللفظ مختلفا، وكل متباعد عن الحق جبار وعنيد أي متكبر. وقيل: إن المراد به في الآية أبو جهل؛ ذكره المهدوي. وحكى الماوردي في كتاب [أدب الدنيا والدين] أن الوليد بن يزيد بن عبدالملك تفاءل يوما في المصحف فخرج له قوله عز وجل {واستفتحوا وخاب كل جبار عنيد} فمزق المصحف وأنشأ يقول: أَتُوعِدُ كل جبار عنيد ** فها أنا ذاك جبار عنيد إذا ما جئت ربك يوم حشر ** فقل يارب مزقني الوليد فلم يلبث إلا أياما حتى قتل شر قتلة، وصلب رأسه على قصره، ثم على سور بلده.
قوله تعالى: واستفتحوا وخاب كل جبار عنيد من ورائه جهنم ويسقى من ماء صديد يتجرعه ولا يكاد يسيغه ويأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت ومن ورائه عذاب غليظ قوله تعالى: واستفتحوا أي واستنصروا; أي أذن للرسل في الاستفتاح على قومهم ، والدعاء بهلاكهم; قاله ابن عباس وغيره ، وقد مضى في " البقرة ". ومنه الحديث: إن [ ص: 305] النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يستفتح بصعاليك المهاجرين ، أي يستنصر. وقال ابن زيد: استفتحت الأمم بالدعاء كما قالت قريش: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك الآية. وروي عن ابن عباس. وقيل قال الرسول: إنهم كذبوني فافتح بيني وبينهم فتحا وقالت الأمم: إن كان هؤلاء صادقين فعذبنا ، عن ابن عباس أيضا; نظيره ائتنا بعذاب الله إن كنت من الصادقين ، ائتنا بما تعدنا إن كنت من المرسلين. وخاب كل جبار عنيد الجبار المتكبر الذي لا يرى لأحد عليه حقا; هكذا هو عند أهل اللغة; ذكره النحاس. والعنيد المعاند للحق والمجانب له ، عن ابن عباس وغيره; يقال: عند عن قومه أي تباعد عنهم. وقيل: هو من العند ، وهو الناحية وعاند فلان أي أخذ في ناحية معرضا; قال الشاعر: إذا نزلت فاجعلوني وسطا إني كبير لا أطيق العندا وقال الهروي: قوله تعالى: جبار عنيد أي جائر عن القصد; وهو العنود والعنيد والعاند; وفي حديث ابن عباس وسئل عن المستحاضة فقال: إنه عرق عاند.
[٩] [١٠] معاني المفردات في آية: واستفتحوا وخاب كل جبار عنيد وبعد شرح معنى الآية من سورة إبراهيم كما ورد في عدّة تفاسير، لا بدّ من الوقوف على شرح معاني الكلمات بحسْب ورودها بالمعجم بعيدًا عن المعنى السياقيّ الوارد ضمن الآية، ومن الكلمات التي سيقف المقالُ على شرحها: استفتح: فعل ماضٍ، وجاء في معنى الفعل استفتح عدّة معانٍ منها: يُقال استفتح التاجر مبكّرًا: قام بأوّل بيعٍ له، واستفتح الحفل بقراءة الفاتحة أيّ: ابتدأ الحفلُ بقراءة الفاتحة، ويقال: استفتح الباب: فتحه، ويُقال أيضًا: استفتح الباب: طلب فتحه. [١١] خاب: خاب فعلٌ ماضٍ مضارُعه: يخيب، واسم الفاعل منه: خائب، ويُقال: خاب أمله: لم يتحقق ما كان يأمله، وخاب سعيه: لم يحصل على ما سعى إليه ولم ينل ما طلب، ويُقال: خاب ظنّه: أيّ أخطأ حدسُه وحدث ما لم يكن يتوقّعه من شخصٍ أو شيءٍ ما، وخاب خوْبًا: أيّ افتقر. [١٢] جبّار: هي صيغة مبالغةٍ من الفعل: جَبَرَ، والجبّار هو: المتكبّر والمتسلّط والذي يتعالى عن قبول الحقّ، والعقل الجبّار هو العقل فائق الذكاء، ويُقال بذل أحدهم مجهودًا جبّارًا: أيّ بذل مجهودًا ضخمًا، والجبار هو اسمٌ من أسماء الله الحسنى. [١٣] عنيد: صفةٌ مشبّهةٌ من الفعل: عَنَدَ، والعنيد هو المُكابِر والطاغي والمتجاوز الحدّ، ويُقال: عندَ الشخص: أيّ خالف الحقّ وهو يعرف أنّه حق، وهو الشخص الذي لا يمكن التّفاهم معه، ويُقال: عنِدَ عن الطريق: عدَل ومال عنه.
تفسير القرطبي ص: 1896 وحكى الماوردي في كتاب {أدب الدنيا والدين} أن الوليد بن يزيد بن عبد الملك تفاءل يوما في المصحف فخرج له قوله عز وجل: "واستفتحوا وخاب كل جبار عنيد" فمزق المصحف وأنشأ يقول: أتوعد كل جبـار عـنـيد فها أنا ذاك جبار عـنـيد إذا ما جئت ربك يوم حشر فقل يا رب مزقني الوليد فلم يلبث إلا أياما حتى قتل شر قتلة, وصلب رأسه على قصره, ثم على سور بلده. راجع حياة الحيوان الكبرى للدميري ص:69/466، سمط النجوم العوالي في أنباء الأوائل والتوالي للعصامي ص: 661! خزانة الأدب لعبد القادر البغدادي ص: 235 و "الوليد بن يزيد" بويع سنة خمس وعشرين ومائة بعد موت عمه هشام بن عبد الملك. وقتل الوليد في سنة ست وعشرين، لأنه رمي بالكفر وغشيان أمهات أولاد أبيه. وكان منهمكاً في اللهو وشرب الخمر وسماع الغناء.
قال أبو عبيد: هو الذي عند وبغى كالإنسان يعاند; فهذا العرق في كثرة ما يخرج منه بمنزلته. وقال شمر: العاند الذي لا يرقأ. وقال عمر يذكر سيرته: أضم العنود; قال الليث: العنود من الإبل الذي لا يخالطها إنما هو في ناحية أبدا; أراد من هم بالخلاف أو بمفارقة الجماعة عطفت به إليها. وقال مقاتل: العنيد المتكبر. وقال ابن كيسان: هو الشامخ بأنفه. وقيل: العنود والعنيد الذي يتكبر على الرسل ويذهب عن طريق الحق فلا يسلكها; تقول العرب: شر الإبل العنود الذي يخرج عن الطريق. وقيل: العنيد العاصي. وقال قتادة: العنيد الذي أبى أن يقول لا إله إلا الله. قلت: والجبار والعنيد في الآية بمعنى واحد ، وإن كان اللفظ مختلفا ، وكل متباعد عن الحق جبار وعنيد أي متكبر. وقيل: إن المراد به في الآية أبو جهل; ذكره المهدوي. وحكى الماوردي في كتاب أدب الدنيا والدين أن الوليد بن يزيد بن عبد الملك تفاءل يوما في المصحف فخرج له قوله - عز وجل -: واستفتحوا وخاب كل جبار عنيد فمزق المصحف وأنشأ يقول: أتوعد كل جبار عنيد فها أنا ذاك جبار عنيد إذا ما جئت ربك يوم حشر فقل يا رب مزقني الوليد فلم يلبث إلا أياما حتى قتل شر قتلة ، وصلب رأسه على قصره ، ثم على سور بلده.
وساغ الشراب في الحلق يسوغ سوغا إذا كان سلسا سهلا، وأساغه الله إساغة. و{يكاد} صلة؛ أي يسيغه بعد إبطاء، قال الله تعالى {وما كادوا يفعلون} [البقرة: 71] أي فعلوا بعد إبطاء، ولهذا قال{يصهر به ما في بطونهم والجلود} [الحج: 20] فهذا يدل على الإساغة. وقال ابن عباس: يجيزه ولا يمر به. {ويأتيه الموت من كل مكان} قال ابن عباس: أي يأتيه أسباب الموت من كل جهة عن يمينه وشماله، ومن فوقه وتحته ومن قدامه وخلفه، كقول {لهم من فوقهم ظلل من النار ومن تحتهم ظلل} [الزمر: 16]. وقال إبراهيم التيمي: يأتيه من كل مكان من جسده حتى من أطراف شعره؛ للآلام التي في كل مكان من جسد. وقال الضحاك: إنه ليأتيه الموت من كل ناحية ومكان حتى من إبهام رجليه. وقال الأخفش: يعني البلايا التي تصيب الكافر في النار سماها موتا، وهي من أعظم الموت. وقيل: إنه لا يبقى عضو من أعضائه إلا وكل به نوع من العذاب؛ لو مات سبعين مرة لكان أهون عليه من نوع منها في فرد لحظة؛ إما حية تنهشه؛ أو عقرب تلسعه، أو نار تسفعه، أو قيد برجليه، أو غل في عنقه، أو سلسلة يقرن بها، أو تابوت يكون فيه، أو زقوم أو حميم، أو غير ذلك من العذاب، وقال محمد بن كعب: إذا دعا الكافر في جهنم بالشراب فرآه مات موتات، فإذا دنا منه مات موتات، فإذا شرب منه مات موتات؛ فذلك قوله{ويأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت}.