وما أرسلنا من قبلك من رسول

وختاماً.. فإن الحديث السابق لا يفهم منه ـ أبداً ـ أن جميع من يظهرون على الفضائيات كمن ذكروا آنفاً، بل فيمن يظهر ـ ولله الحمد ـ عدد طيب من العلماء الراسخين، والشيوخ المتقنين، لكن الحديث كان منصباً على طوائف من المفتين، ليسوا على جادة أهل العلم في الفتوى، وليسوا أهلاً لها: {ولتعرفنهم في لحن القول}، والله المستعان،وعليه التكلان، ونعوذ به سبحانه وتعالى أن نقول عليه أو على رسوله صلى الله عليه وسلم ما لا نعلم، والحمد لله رب العالمين. _______________ (1) ينظر: تفسير السعدي: (441، 519). وما ارسلنا من قبلك من رسول ولا نبي. (2) جامع بيان العلم وفضله - (2 / 201). (3) صفة الفتوى: (11).

وما أرسلنا من قبلك من رسول

أما الطبقة الرابعة فهي طبقة المنبوذين أو "الشودو" الذين خلقوا من قدمي الآلهة ويمتهنون الأعمال الوضيعة والقذرة ويعدون عبيداً لأي من الطبقات الثلاث "والشودو هم سكان البلاد الأصليين ويغلب عليهم سواد البشرة وهم في نظر الآخرين أحط من البهائم وأذل من الكلاب وتتساوى كفارة قتل القطة والفأر مع قتل أي منهم"!! لماذا نعبد الله؟؟ - السبيل. بقي أن أشير إلى أنه في حين يوجد بعض التقارب والمعتقدات المشتركة بين الديانات السماوية الثلاث؛ لا توجد أي أرضية مشتركة بين الهندوسية والإسلام في الهند؛ فالهندوسية ديانة وثنية خالصة والإسلام ديانة سماوية موحدة. وفي حين يؤمن المسلمون بإله واحد يؤمن الهندوس بأكثر من خمسمائة، وفي حين يدعو الإسلام إلى المساواة بين البشر "حيث لا فرق بين عربي وعجمي إلا بالتقوى" تفرض الهندوسية نظاماً طبقياً صارماً.. وفي حين يقدس الهندوس البقرة - ويمتنعون عن أكلها وأذيتها - يذبحها المسلمون ويصنعون الأحذية والملابس من جلودها...!! !

وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي

وكل ذلك غلط بيّن، ومخالف لما دلت عليه هذه القاعدة المحكمة: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}! ولا أدري، ماذا يصنع هؤلاء إذا مرض أحدهم؟ أيستوقفون أول مارٍّ عليهم في الشارع فيسألونه أم يذهبون إلى أمهر الأطباء وأكثرهم حذقاً؟ ولا أدري ماذا يصنع هؤلاء إذا أصاب سيارته عطل أو تلف؟ أيسلمها لأقرب من يمر به؟ أم يبحث عن أحسن مهندس يتقن تصليح ما أصاب سيارته من تلف؟ إذا كان هذا في إصلاح دنياه، فإن توقيه في إصلاح دينه أعظم وأخطر! قال بعض السلف: إن هذا العلم دين، فانظروا عمن تأخذون دينكم. وما أرسلنا من قبلك من رسول. ومن صور مخالفة هذه القاعدة: 2 ـ عدم التثبت في الأخذ عن أهل الذكر حقاً، ذلك أن المنتسبين للعلم كثرٌ، والمتشبهين بهم أضعاف ذلك، ومن شاهد بعض من يظهرون في الفضائيات أدرك شيئاً من ذلك؛ فإن الناس ـ بسبب ضعف إدراكهم، وقلة تمييزهم ـ يظنون أن كلّ من يتحدث عن الإسلام عالمٌ، ويمكن استفتاؤه في مسائل الشرع! ولا يفرقون بين الداعية أو الخطيب وبين العالم الذي يعرف مآخذ الأدلة، ومدارك النصوص، فظهر ـ تبعاً لذلك ـ ألوان من الفتاوى الشاذة، بل والغلط الذي لا يحتمل، ولا يُقْبَل، وكثر اتباع الهوى وتتبع الرخص من عامة الناس، فرقّت أديانهم، وضعفت عبوديتهم، بأسباب من أهمها فوضى الفتاوى التي تعج بها كثير من الفضائيات.

وما أرسلنا من قبلك الا رجالا

حول العالم تأتيني رسائل كثيرة من القراء تتضمن أسئلة واستفسارات غريبة. ورغم عجزي عن الإجابة عليها كلها إلا أنها تفيدني شخصياً في بلورة أفكار ومقالات جديدة.. فقبل فترة مثلاً سألني أحد القراء عن أقدم ديانة في التاريخ! ؟. وهو سؤال - على بساطته الظاهرة - تصعب الإجابة عليه؛ فمنذ القدم أدرك الإنسان - من خلال الفطرة أو الاستقراء - وجود خالق ومدبر لهذا الكون. وحاول التقرب إليه من خلال أوامر مقدسة تمارس بواسطة شعائر معينة.. وهكذا يمكن القول إن الدين وُجِدَ منذ وجد الإنسان على وجه الأرض وبالتالي يكاد يستحيل معرفة أول ديانة في التاريخ؟؟ غير أن السؤال السابق "يمكن تعديله" على النحو التالي: ما هي أقدم ديانة ما تزال تمارس حتى اليوم! ؟.. وهنا يصبح الجواب واضحاً ومباشراً.. "الهندوسية"!. فالهندوسية ديانة وثنية غامضة تشكلت قبل خمسة عشر قرنا من ولادة المسيح وواحد وعشرين قرنا من هجرة المصطفى صلى الله عليه وسلم. أفضل 10 أدعية مستحب قولها في ليلة القدر رمضان 2022. وتعد اليوم ثالث أكبر ديانة في العالم من حيث عدد الأتباع - بعد المسيحية والإسلام - وتتركز بشكل أساسي في الهند "التي اقتبست منها الاسم". وهي من القدم بحيث لا يعرف لها مؤسس حقيقي "وإن كان يعتقد أن الآريين القدماء - الذين غزوا الهند قبل 1500عام قبل الميلاد - أحضروا معهم أفكارها الأساسية"!.

وما ارسلنا من قبلك من رسول ولا نبي

والموضع الثاني: في سورة الأنبياء، يقول سبحانه وتعالى: { وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [الأنبياء: 7]. وكلا الآيتين جاء في سياق إرشاد الكفار ـ المعاندين والمكذبين ـ إلى سؤال من سبقهم من أهل الكتاب، وفي هذا الإرشاد إيماء واضح إلى أن أولئك المشركين المعاندين لا يعلمون، وأنهم جهال، وإلا لما كان في إرشادهم إلى السؤال فائدة. جريدة الرياض | أقدم ديانة في التاريخ. وإذا تأملت ـ أيها القارئ الكريم ـ في هذه القاعدة مع سياقها في الموضعين من سورة النحل والأنبياء، خرجت منها بأمور: 1 ـ عموم هذه القاعدة فيها مدح لأهل العلم. 2 ـ وأن أعلى أنواعه: العلمُ بكتاب الله المنزل، فإن الله أمر من لا يعلم بالرجوع إليهم في جميع الحوادث. 3 ـ أنها تضمنت تعديل أهل العلم وتزكيتهم، حيث أمر بسؤالهم. 4 ـ أن السائل والجاهل يخرج من التبعة بمجرد السؤال، وفي ضمن هذا: أن الله ائتمنهم على وحيه وتنزيله، وأنهم مأمورون بتزكية أنفسهم، والاتصاف بصفات الكمال. 5 ـ كما أشارت هذه القاعدة إلى أن أفضل أهل الذكر أهلُ هذا القرآن العظيم، فإنهم أهل الذكر على الحقيقة، وأولى من غيرهم بهذا الاسم(1).

وإن كان الرضا ليس واجبا بل مستحباً أن من فهم ما ترشد إليه هذه القاعدة القرآنية المحكمة: {وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ} أقدم على فعل الخير، وسهل عليه الصبر على تقصير الخلق وجفائهم؛ لأنه لا يرجو سوى الله فإلى كل من أسرف على نفسه، وقنّطه الشيطان من رحمة ربه، لا تأيسنّ ولا تقنطن، فهذا رجل قتل تسعة وتسعين نفساً، فلما صحّت توبته، رحمه ربه ومولاه، مع أنه لم يعمل خيراً قط من أعمال الجوارح سوى هجرته من بلد السوء إلى بلد الخير.. أفلا تحرك فيك هذه القصة الرغبة في هجرة المعاصي، والإقبال على من لا سعادة ولا أنس إلا بالإقبال عليه؟! من أعظم دلالات هذه القاعدة أنها ترد على أولئك الذين يزعمون الاكتفاء بالقرآن فقط في تطبيق أحكام الشريعة، فهاهو القرآن ذاته يأمر باتباع الرسول صلى الله عليه وسلم، ولن يكون ذلك إلا باتباع سنته، بل كيف يتأتى للإنسان أن يصلي، أو يزكي، أو يصوم، أو يحج بمجرد الاقتصار على القرآن؟!