الخلافة في قريش

2 ـ أن اشتراط القرشيّة التي نصّ عليها الحديث، ليس المقصود منه التبرُّك بالانتساب إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وعشيرته، فليس ذلك من مقاصِد الإمامة، وإنّما من مقاصدها قوة النفوذ وهيبة السلطان لتحقيق المصلحة للأمّة ودفع الشّر عنها، وإذا كان الحديث متّفِقًا مع هذا المقصد في أيام النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وبعدها بقليل، فربما لا يتفق في وقت آخر، فيكون واقعة حال لا يتعدّاها، ولا تلتزم بعد ذلك.

بحث عن الفن الإسلامي - موضوع

521938 4 بابكر فيصل / تمثل قضية تدوين السنة (الحديث) إحدى الإشكاليات الكبيرة في التاريخ الإسلامي ذلك لأنها تمت بعد مرور حوالي قرن ونصف القرن من وفاة الرسول الكريم محمد، وتدخلت فيها عوامل كثيرة شملت التحيزات المذهبية والتباينات الاجتماعية والقومية والخلافات السياسية وغير ذلك من العوامل التاريخية الأخرى. وتنبع أهمية الإشارة لقضية التدوين من حقيقة أن الأحاديث المنسوبة للرسول قد استخدمت بطريقة ذرائعية من أجل خدمة المصالح المذهبية والسياسية، كما أنها شكلت أحد الأسباب التي ساهمت بفاعلية في جمود العقل الإسلامي لا سيما وأنه قد تم تثبيتها كمصدر تشريعي مساو للنص المؤسس (القرآن). من بين الأحاديث التي شكلت مرتكزا أساسيا في مسألة اختيار الحاكم لدى المدرسة الفقهية السلفية المعروفة باسم "أهل السنة والحديث" هو الحديث المنسوب للرسول والذي يقول إن أئمة المسلمين وخلفائهم يجب أن يكونوا من قريش، وإنه لا يجب منازعتهم في هذا الأمر. بحث عن الفن الإسلامي - موضوع. الحوار الذي دار في السقيفة كان حوارا سعى كل طرف فيه لتعزيز أحقيته بتعيين خليفة الرسول ورد الحديث في صحيحي البخاري ومسلم وكتب الحديث الأخرى بألفاظ متعددة، ففي صحيح البخاري عن معاوية قال: قال رسول الله: "إن هذا الأمر في قريش لا يعاديهم أحد إلا أكبه الله في النار على وجهه ما أقاموا الدين".

وهذا ما أميل إليه من أن العِبرة بوجود الشروط التي تليقُ بمقام الإمامة وتساعد على تحقيق المصلحة العامة، ولا يَغيب عنا قوله ـ صلّى الله عليه وسلم ـ "إذا وُسِّد الأمر إلى غير أهله فقد ضُيِّعت الأمانة" رواه البخاري ، وما جاء من الأحاديث التي تنهى عن تولية من ليس كُفُؤًا للولاية في أي قطاع من القطاعات، وما فعله ـ صلى الله عليه وسلم ـ من تفضيله تولية القيادة والإمارة مَن يصلح أكثر من غيره من السابقين في الإسلام، ومن عدم الاستجابة لأبي ذر عندما طلب منه ولاية، حيث قال له: "إنك ضعيف وإنها أمانة" رواه مسلم. ولعل بعض القائلين بعدم اشتراط القرشيّة في الإمامة لاحَظوا في أزمانِهم ذهاب القوة التي كان يتمتع به القرشيّون. وقد أشار إلى ذلك ابن خلدون في مقدّمته فقال: ومن القائلين بنفي اشتراط القرشيّة أبو بكر الباقِلاني لما أدرك ما عليه عصبيّة قريش من التلاشِي والاضمحلال واستبداد ملوك العَجم على الخلفاء، فأسقط القرشيّة، وإن كان موافِقًا لرأي الخوارج لما رأى عليه حال الخلفاء لعهده.