ذهب الذين يعاش في أكنافهم

ذهب الذين يعاش في أكنافهم،، - YouTube

القرآن الكريم - تفسير القرطبي - تفسير سورة النساء - الآية 56

ومن أعمال بِرِّه أنه كان لا يخص بالمبالغ المالية التى كان يبعث بها من دول إفريقيا، التى كان يتاجر بها، لا يخص بها أهله الأدنون، وإنما كان يُعمّـمها، لتصل شيخه المشهور، وقد أهدى لكل ابن أخت له (سواء كان من أسرته الضيقة، أو من مجموعته) جملا، وكان ساعتها كمن أهدى سيارة فارهة الآن، وأذكر، وأنا يافع، فىالكتاتيب، أنه كان يعمم القماش المطوى المعروف عندنا ب"المخزومه" على الذكور – الشكه – وعلى الإناث – النسور – وقد جعلني أرْنبة أنف فى رُسُلِه، حاملا معى مخزومه وبيصه لكل أسرة من مجموعته التى ينتمى إليها، وكأن الشاعر عناه حين قال: وجدت خصال الخير فى الناس فرقت وقد جُمِعت فيه الخصال المفرّقة. ذهب الذين يعاش فى أكنافهم... | الأخبار: أول وكالة أنباء موريتانية مستقلة. وقد كان، رحمه الله تعالى، ينحر زمن الشتاء، ويُشرّق اللحم،ويوزعها، (وإن صخرا إذا نشتو لنحّار)... وقد أنبط بئرين فى المكانين المعهودين لمجموعته (كرو المدينة، وواحة النخيل) وقد جعلهما وقفا لله تعالى، واتفق أن كان ماؤهما عذبا فراتا، وكأن لسان الشاعر يتمثل بهما قائلا: (... فالمنهل العذب بعد الوِرْد مورود. )

ذهب الذين يعاش فى أكنافهم... | الأخبار: أول وكالة أنباء موريتانية مستقلة

هذه سانحة لمن له صلة بى، أيّا كانت، قرابة، مودة، جميل... من أجل أن يوّاسينى، ويسلينى، ويشفق لحالى... وهي سانحة كذلك لمن يعادينى، فهذه فرصته للتَشفّى، فقد رقّت طبقة الصبر عندى فتضعضعت... لقد تجلّدت كثيرا لروعات الدهر وزلازله الماضية، لأنى أُعْمل وصية أبو ذؤيب الهذلى: وتجلّدى للشّامتين أريهم *أنّى لريب الدهر لا أتضعضع. القرآن الكريم - تفسير القرطبي - تفسير سورة النساء - الآية 56. لكن انتقال والدنا الشيخ ولد محمد محمود ولد انداه إلى رحمة الله تعالى فاق قدرتى على التجلّد والصّبر، فانهدّ الركنُ المنيع المكين الذى كان يحمينا، "ولا بد للمصدور من نفثة": لَكِنَّـهـا نَفـثَـةَ مَـصــدورٍ *إِذا جاشَ لُغـامٌ مِـن نَواحيهـا عمـى وقد ألْفيتُها – النفثة – نماذجَ على عجل من مناقبه، رحمه الله تعالى، ومكان القول فيها متسع: وقد وجدتُ مكان القول ذا سعة* فإن وجدتَ لسانا قائلا فقل. لقد ذهب بذهابه البِر، فقد كان براًّ بوالديه وبالأقربين، وبالناس أجمعين، فكان يوصى نفسه ويوصينا، ذكرانا وإناثا بذلك، مردِّدا فى كل مرة، لا تني له عزيمة في ذلك، ولا تفتُر له همة، ولا تفلّ له إرادة عند كل بادرة بِرٍّ: واجبر خواطر الورى جميعا* بغير منهي ولو وضيعا.

وكان رحمه الله تعالى يهشِّم الخبز للناس، ويجهز لهم الغداء والعشاء ويصنع الحساء بيمناه الطاهرة، ويمزج بها زيت الزيتون كذلك للناس، وكان، رحمه الله تعالى، لذلك، محجة التجار والطلاب والمرضى، ويدعو الجفلى، وكأنه يتمثل بيت الشاعر طرفة بن العبد: نحن فى المشتاة ندعوا الجفلى لا ترى الآدب فينا ينتقر. لقد ذهبت بذهابه الأريحية، كان رحمه الله تعالى، فى كل أوجه بذله وعطائه، الذى لا يخشى صاحبه الفقر، يتوخّى جعل جليسه فى حالة حبور، متهلِّل الوجه، باسم الثغر، متحدثا بالطرفة والدعابة. لقد ورثنا منه، رحمه الله تعالى، الأذكار فى الأسحار، والدعاء، فىالعشي والأبكار، وقد حفظنا جلها، وكان شديد الحرص على تأصيلها. لقد ورثنا عنه، رحمه الله تعالى، تركة من شقّين أولهما يملؤنا زهوا، وذلك بأننا نُــنْمى إليه (انتَ امّالك ال ولد الشيخ ولد محمد محمود)، (وانتِ امّالك ال منت الشيخ ولد محمد محمود)، حدثتنىبذلك أختى الفاضلة الماجدة، ميمونة بنت الشيخ ولد محمد محمود،أما الشِّق الثانى من التركة، فهو الدور الذى كان يقوم به، والخلّة التى كان يسدّها والبرّ الذى يقوم به للكل، والمعروف الذى يُسْدى، وبالجملة صنائعه البيض، كل ذلك لا قبل لنا بالقيام بأعبائه، ننوء بحمله، ولكن ما لا يدرك كله لا يترك جله، وقديما قيل: فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم إن التشبه بالكرام فلاح.