وأُصص الزهر هنا وهناك. والأرض مفروشة بالرمل الأصفر، فإني أريد أن أُرقي صناعة (الطعمية) وأجعل منها فناً.. نعم، خذ أدبي كله وخلودي أيضاً إذا كانا يستحقان شيئاً واعطني هذا الدكان الصغير وزرني بعد ذلك وشرفني بالأكل عندي وعلى موائدي الأنيقة الجميلة واحسدني يومئذ) وقمنا صامتين لأن كلامي لم يعجبهما.. ولو أعجبهما لرجوت أن أقنعهما بهذه المبادلة.. ولكن لا بأس.. لا بأس.. ولا بأس أيضاً فلن أعدم صناعة أخرى أهتدي إليها في يوم من الأيام. والعمر الطويل يبلغ الأمل كما تقول العامة في أمثالها الحكيمة التي هي عصارة التجارب الإنسانية على الدهور إبراهيم عبد القادر المازني
الأمواج تضطرب في صخب، وعلى الشاطئ شجرات من الخوخ يانعة تعصف الريح بأوراقها الصفراء. لماذا تحدق في الفضاء! أفلا تستشعر في الهواء هزات تحمل نغم لحن جاء في أضعافها من الشاطئ الآخر. - 22 - تحت ظلال شهر يوليه المطير، تسير أنت في خطوات هادئة وفي صمت لا يشعر به الرقيب. واليوم أغمض الصباح جفنيه، لا يعبأ بصفير الرياح الشرقية وهي تلح في ندائها، وقد أسدل نقاب كثيف على وجه السماء الأزرق المتألق. وأمسكت الغابة عن ترديد لحنها، وغلقت الأبواب؛ وأنت... أنت يا عابر السبيل تضرب في الطريق الصحراوي وحيداً. أوه، يا صديقي العزيز، يا من أحب، إن باب داري مفتوح على مصراعيه فلا تمر به كأنك حالم. - 23 - يا صديقي، أفِأنت في العراء تتم رحلة الهوى في هذه الليلة العاصفة؟ وإن السماء تئن كأنها مصدور بنفس عن نفسه. لقد أرقت الليلة، يا صديقي وباب داري مفتوح فأنظر إليه في هذا الظلام الدامس. أنا لا أرى - في هذا الظلام - شيئاً مما أمامي، فلا أستطيع أن أجد الطريق إليك. عند شاطئ أي نهر مظلم قاتم، لدى حافة أية غابة سوداء حالكة، وفي ثنايا أي عمق معتم مضل، جلست يا صديقي، ترسم في نفسك الطريق إلي. - 24 - إذا انطوى النهار، وصمتت الطيور الغريدة، وهدأت الرياح الزفزافة؛ فانشر علي قناعاً صفيقاً من الظلمة كما نشرت على الأرض أستار النوم، وكما لففت أوراق زهرة اللوتس الذابلة في غيابة الظلام.