الاذن تعشق قبل العين احيانا

المنعطف إنَّ ما أنتجه بشار من شعر «الأذن تعشق قبل العين أحيانا» لم يكن مجرّد بيت وكفى، وإنّما هو حالة إدراكية عرفانية تمرّ في اعتقادنا بمراحل تبدأ حسب تصوّر العرفانيين من المثيرات (الصوت في هذه الحالة) في علاقته بالجسد وما ينتجه من تفاعل مع الذهن البشري بما هو ذات فاعلة وناطقة في محيطها الثقافي، وبالتالي إنتاج هذه الحالة الشعورية التي نراها في اعتقادنا تأسيساً لخطّ جديد في الشعر يجعل من الصوت مقياسا في العشق. الأذن تعشق قبل العين.. أحيانا! | مجلة سيدتي. وقد يكون هذا منعرجاً مهماً في إعادة قراءة الشعر بتصور عرفاني إدراكي، لاسيما أنّ المدونة العربية مليئة بتفاصيل العشق التي رسمت لها أقلام الشعراء أجزل العبارات والتراكيب وأرقى الصور والمفاهيم تحت بنية إدراكية معيّنة، وأهم ما يمكن أن نظفر به هو الكيفية التي يدرك بها الشاعر العربي العشق. إنّ المنعطف الذي أحدثه بشار في هذا البيت هو جعله الأذن عاشقة قبل العين، وليس كما قال أحيانا، وإنّما قد تكون دوماً، وهذا ربما يُعيد ترتيب قوانين العشق بما يليق بفئة فاقدي النّظر، الذين يجدون في شعر بشار ملاذا تخيليا يبنون في إطاره عوالمهم المدركة. وإن نزلنا هذا الشعار في واقعنا الحالي فسنجد أنّنا أكثر الكائنات عشقا بالسمع، فنحن اليوم وفي ظلّ التكنولوجيا الحديثة نحبّ خلف شاشات ومواقع «فيسبوك» أو خلف هسهسة تنقلها لنا هواتف ذكية، فنكتفي بالسمع لأحدهم حتى نعشقه، ولكن بين العشق تحت وقْع الأصوات والكلمات والتصوّرات، والعشق تحت سطوة التكنولوجيا مسافات نعتقد أنّها تحتاج إلى إعادة تفكير بمنطق جديد يأخذ بعين الاعتبار ما تفرضه السياقات الجديدة.

  1. الأذن تعشق قبل العين.. أحيانا! | مجلة سيدتي

الأذن تعشق قبل العين.. أحيانا! | مجلة سيدتي

ولعلّ هذا يجد دعائمه عند العرفانيين اليوم في حديثهم عن الأدوار التي يلعبها الإيقاع في الشعر، حيث انّ السمع يحوّل الكلام الملقى إلى عوالم نبصرها تمثّلاً، وهذا على رأي «تسور» (Tusr)، فما نسمعه لاشك في أنّه يُحفّز وينشّط فينا سمات وتصورات معيّنة، وعلى هذا الأساس فما نسمعه ليس مجرّد صوت فقط بل هو أبعد من ذلك، إنّه ضربٌ من التصورات عن ذلك الشيء، وهذا في اعتقادنا ما جعل بشار بن برد يقول الأذن تعشق قبل العين أحيانا، فالعشق هنا للتمثّل والتصور وليس للصوت فقط. نواميس الجسد ولعلّ إدخال نواميس الجسد (الإبصار، السمع، الكلام، الإشارة) في العشق ليس بغريب، فهي ظاهرة شعرية قديمة احتفى بها الشعر الجاهلي وما بعده، فقد حفظت لنا المدونة الشعرية قديماً وحديثاً أبياتا عن قدرة العين وأدوارها في العشق من قبيل «رمتني بشهاب عين مليحة عذراء»، وقيل أيضا «السيف في الغمد لا تُخشى مضاربه سيف عينيك في الحالين بتار» وقيل «سقتني بعينها الهوى»، ولكنّ طرافة العشق بالسمع كامنة في ذلك الاستثناء والانزياح عن العين العاشقة، إلى الأذن العاشقة. حيث انزاحت العين لتفسح المجال للأذن حتى تقيم وتؤسّس لغزل جديد هو «الغزل بالسمع». الاذن تعشق قبل العين احيانا. وهذا ربما ما يجعل البعض يفتّش عن مداخل يُصنّف فيها الموسيقى والغناء في باب المحرّمات كما تصنّف الخمرة، ووجه الالتقاء كامن فيما يحدثانه من نشوة، فيحدث أن ينتشي الإنسان بالصوت كما ينتشي بالخمرة.

هل المرأة عندما تحب يصبح الرجل أهم أولوياتها، على العكس من الرجل الذي مهما بلغت درجة حبه للمرأة، فهي دائماً لا تشغل المرتبة الأولى من اهتماماته. ؟ هل عندما تحب المرأة لا ترى العالم إلا من خلال الرجل، في حين أن الرجل عندما يحب فهو يكون دائم التفكير في عمله ونجاحه وهواياته.. ثم بعد ذلك المرأة التي يحبها؟ تشكو معظم النساء من الرجال الذين يبخلون عليهن بالكلام بالتعبير عن مشاعرهم، في الوقت نفسه يشكو الرجال من النساء اللاتي مهما كانت تصرفات الرجال حيالهن تشير إلى عمق حبهم لهن، إلا أنهن يعتمدن على آذانهن في الحكم على مدى حب الرجال لهن. وعلى الضحايا أن يستمعن إلى معسول الكلام من الرجال حتى لو لم يكن صادقاً! سوء التفاهم هذا بين الرجل والمرأة سببه اختلاف وسيلة تعبير كل منهما عن حبه للآخر، وسببه أيضاً أن المرأة بطبعها وطبيعتها تجيد التعبير اللفظي وتحب أن تستمع دائماً إلى كلمات الحب، وترى أن الرجل الصامت مفتقد للمشاعر حتى وإن كانت تقول عكس ذلك. ويترسخ سوء التفاهم هذا بين الرجل والمرأة لدى بعض الرجال الذين يرون أن المرأة تتسم بالسطحية وتحب الثرثرة ولا تقتنع سوى بسماع كلمات الحب حتى وإن كانت متأكدة من حب الرجل لها وعدم استغنائه عنها.