ان مثل عيسى عند الله كمثل اس

الرواية الثانية: روى الواحدي عن الحسن، قال: "جاء راهبا نجران إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فعرض عليهما الإسلام، فقال أحدهما: إنا قد أسلمنا قبلك، فقال: « كذبتما إنه يمنعكما من الإسلام ثلاث: عبادتكم الصليب، وأكلكم الخنزير، وقولكم لله ولد »، قالا: من أبو عيسى؟ وكان لا يعجل حتى يأمره ربه، فأنزل الله تعالى: { إنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ اللَّـهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ}". الرواية الثالثة: روى البيهقي في (الدلائل): "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى أهل نجران قبل أن ينزل عليه { طس} [النمل:1]، سليمان يريد قبل أن تنزل عليه آية البسملة التي في سورة النمل: « باسم إله إبراهيم وإسحق ويعقوب، من محمد النبي.. ﴿ إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾ بقلم د/ أحمد خضر حسنين الحسن - موقع هداية الحيارى. »، الحديث، وفيه: فبعثوا إليه جماعة منهم، فانطلقوا، فأتوه، فسألهم وسألوه، فلم يزل به وبهم المسألة، حتى قالوا: ما تقول في عيسى، « قال ما عندي فيه شيء يومي هذا، فأقيموا حتى أخبركم »، فأصبح الغد، وقد أنزل الله هذه الآيات: { إنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ اللَّـهِ كَمَثَلِ آدَمَ} إلى قوله: { فَنَجْعَل لَّعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ}" [آل عمران:61]. الرواية الرابعة: أخرج ابن سعد في (الطبقات) عن الأزرق بن قيس، قال: "قدم على النبي صلى الله عليه وسلم أسقف نجران والعاقب، فعرض عليهما الإسلام، فقالا: إنا كنا مسلمين قبلك، قال: « كذبتما، إنه منع منكما الإسلام ثلاث: قولكما: { وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّـهُ وَلَدًا} [البقرة:116]، وأكلكما لحم الخنزير، وسجودكما للصنم »، قالا: فمن أبو عيسى؟ فما درى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يرد عليهما، حتى أنزل الله: { إنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ اللَّـهِ كَمَثَلِ آدَمَ} إلى قوله: { وَإِنَّ اللَّـهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [آل عمران:62].

﴿ إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾ بقلم د/ أحمد خضر حسنين الحسن - موقع هداية الحيارى

وأما النصارى فقد قصُرَت مداركهم عن إدراك قدرة الله تعالى، فلم تحتمل عقولهم تلك الحقيقة، وهي أن الله تعالى قدير على كل شيء، يخلق ممَّا يشاء، وكيف يشاء ما يشاء من يشاء، فقالوا في المسيح: إنه ابْنُ الله ؛ كما قالت اليهود ، قال الله تعالى: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ) التوبة 30، فردَّ الله تعالى عليهم قولهم، ووبَّخهم على افترائهم وكذبهم بقوله تعالى: ﴿ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ ﴾ ( التوبة: 30). وقالوا أيضًا: إن الله هو المسيح، تجسَّد بشرًا في جسد عذراء، وإنه ثالث ثلاثة، مع دعوة المسيح- عليه السلام- لهم إلى عبادة الله تعالى وحده، وتحذيره لهم من الشرك وعواقبه الوخيمة.

يُخفقُ كثيرٌ منا في تبَيُّن معنى "نفخِ الله تعالى في أبينا آدمَ من روحه"؛ فهو عند كثيرٍ منا كنايةٌ عن تلك النفخةِ الإلهية التي صار أبونا آدمُ بمقتضاها بشراً وذلك من بعد أن دبت الحياةُ، بسببٍ من تلك النفخة، في تمثال أبينا آدمَ الذي صنعه اللهُ تعالى من تراب الأرض وطينها! ان مثل عيسى عند الله كمثل آدم. وهذا ظنٌ يدحضه ويفنده تدبرُ ما جاءتنا به سورة آل عمران في الآية الكريمة 59 منها: (إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ). فالله تعالى نفخ في أبينا آدمَ من روحه وذلك بقوله له (كن فيكون) فصار بذلك إنساناً في أحسن تقويم. وبذلك فلقد كفلت نفخةُ (كن فيكون) هذه لأبينا آدم ان "يتمايزَ" عن أولئك الذين كانوا يُفسدون في الأرض ويسفكون الدماء تمايزاً جعله أهلاً لأن يخلفهم، فصار بذلك أبونا آدم خليفةً في الأرض من بعدهم: (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) (من 30 البقرة). وهذا الذي حدث لأبينا آدم بسببٍ من تدخلِ الله تعالى المباشر في عملية تَصَيُرِه وتَخَلُقِه ليس بوسعنا أن نقدرَه حق قدره، فنتبيَّنَه على ما هو عليه حقاً وحقيقة، إلا بأن نستذكرَ "نفخةً إلهيةً" أخرى كان لها أن تجعل عيسى ابن مريمَ إنساناً "يتمايزُ" عن كلِّ احدٍ سواه من البشر.